اليوم العالمي .. لحجب المعلومات وخنق الحريات الإعلامية؟

رنا الصباغ

الأربعاء 27 أبريل 2016

الغد

تحت شعار “الحق في الحصول على المعلومات”، يفترض أن يحتفل الإعلاميون حول العالم في الثالث من أيار (مايو) المقبل، باليوم العالمي لحرية الصحافة، بحسب التقويم الأممي.

لكن عن أي احتفالات تتحدث منظمة “اليونيسكو”؛ مهندسة يوم “حرية الصحافة” منذ عقود لتميّز “السلطة الرابعة” على دورها المفترض في الرقابة والمساءلة لحماية المجتمع من ممارسات المتنفذين وإفلات المسؤولين من تنفيذ وعودهم المعلنة قبل أن يجلسوا على كراسيهم لخدمة الشعب الذي يدفع معاشاتهم؟

فقط 108 دول -بما فيها الأردن واليمن والسودان وتونس- أقرت قوانين تضمن حق المواطن في طلب المعلومات، بعضها ظل حبرا على ورق، بخاصة حيث أنظمة حكم غير ديمقراطية. وفي المغرب ومصر، لم تطبق بعد نصوص دستوري البلدين اللذين ينصان على وجوب سن مثل هذه القوانين، رغم وجود مسودات مشاريع قوانين بهذا الشأن.

أما مناخ الحريات العامة، فحدّث ولا حرج. فهي في تدهور للسنة الخامسة في قارات العالم الخمس، باسم الحرب على الإرهاب. و”يفتخر” العرب بتصنيفهم ضمن “الإقليم الأول عالميا في قتل الصحفيين ومحاكمتهم وخطفهم وإخفائهم على أيدي حكومات وأجهزتها وتنظيمات الحوثي وداعش والقاعدة”.

كان العام 2015 الأسوأ عربيا لجهة حالات القتل أو الاعتداء على صحفيين، منذ بدأت شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي “سند” توثيق الانتهاكات مع انطلاق الثورات العربية العام 2011، تحت شعار “خبز، كرامة، عدالة اجتماعية”.

فتقرير “سند” الأولي عن حال الحريات للعام 2015، يوثق ارتفاعا ملحوظا في عدد القتلى والمختطفين، مع تكرار الانتهاكات والاعتداءات.

في ذلك العام، قتل 58 صحفياً، 43 منهم عمدا، فيما سقط 15 آخرون أثناء تغطية مناطق نزاع. تنظيم “داعش” وحده أعدم 29 صحفيا في العراق رمياً بالرصاص، بعد اختطافهم ومحاكمتهم علانية، بحسب شبكة “سند” التابعة لمركز حرية وحماية الصحفيين ومقره عمان.

كما اختطف 69 صحفياً، منهم 44 في اليمن على يد الحوثيين، وأربعة في سورية من قبل تنظيمات مسلحة. ووثق التقرير 3863 انتهاكاً، بما يشكّل قفزة عن سجل العام 2014، الذي شهد توثيق 3277 انتهاكاً. وتلك الانتهاكات سجّلت في غالبية الدول العربية، باستثناء جيبوتي وجزر القمر وسلطنة عمان، بسبب صعوبة توافر المعلومات والتوثيق.

لكن هل يستسلم معشر الإعلاميين، وبخاصة المستقلين منهم، أمام هذه التحديات في زمن الزواج الكاثوليكي بين السياسة-الأمن وممولي غالبية المؤسسات الإعلامية؟ أضف إلى ذلك عدم تقدير المجتمعات العربية لدور السلطة الرابعة، والصعوبات المهنية التي تواجه الساعين إلى مأسسة إعلام مهني جاد، وتماهي أجهزة القضاء مع السلطة التنفيذية أو المؤسسات الأمنية في كثير من البلدان.

الجواب: لا.

لكن المعركة تتطلب صبرا، وتوسيع هوامش الخطوط الحمراء الوهمية، وتكاتف رؤساء التحرير لصد تدخلات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية في عملهم. فالتاريخ يسير في مصلحة تفعيل قوانين ضمان حق الوصول إلى المعلومات على مستوى العالم بحلول 2030. فهي أحد أهداف التنمية المستدامة التي أقرّها زعماء الدول في قمة نيويورك (25-27/ 9/ 2015)؛ سبعة عشر هدفا مرتبطة بـ169 مؤشرا على حكومات العالم تحقيقها. والهدف 16 يتحدث عن التزام أعضاء الأمم المتحدة بـ”ضمان حق الوصول إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية تماشيا مع القوانين المحلية والمعاهدات الدولية”. ويؤشر ذلك إلى ارتباط التنمية المستدامة بحق الوصول إلى المعلومات، بما يمكّن أذرع الأمم المتحدة من متابعة هذه الملفات، وقياس مدى التزام الحكومات بتنفيذ الأهداف. علما أن السويد وفنلندا تحتفلان هذا العام أيضا بمرور ثلاثة قرون ونصف القرن على إقرار أول قانون في العالم لولوج المعلومات (1766)، وقد كانتا ضمن مملكة واحدة.

لكي لا تذهب هذه الجهود أدراج الرياح، لا بد من خلق ميكانزمات أممية ملزمة، توفر ضمانات قانونية لضمان حق العامة في الوصول إلى المعلومات، ومراقبة التزام الحكومات بإحداث استدارة دستورية وقانونية لتحقيق هذه الأهداف. وطبعا، لا بد من دور محوري لمنظمات الأمم المتحدة للتنمية التي تصدر تقارير سنوية عن كل دولة ومنطقة جغرافية. ولن يفلت أحد من دائرة المراقبة في زمن ثورة الإنترنت التي أحالت العالم إلى قرية كبيرة، وضمنت حرية تدفق المعلومات.

أردنيا، أين نقف أمام هذا التحدي بعد أن كان السبق لنا عربيا في إقرار قانون الحصول على المعلومات العام 2007؟

الجواب واضح: فالتطبيق العملي لم يحقق الحد الأدنى من تسهيل تدفق المعلومات بالطريقة المأمولة للصحفيين بصفتهم الأكثر استعمالاً للقانون، والمواطنين المستفيدين منه. لم يحقق الأسباب الموجبة لإقراره بما فيها حرية الوصول إلى المعلومات؛ وهي ركن الحريات الصحفية، وترجمة لمبدأ الشفافية والمشاركة في اتخاذ القرار.

ويستمر مسلسل حجب المعلومات أو المماطلة والتسويف في التعامل مع طلبات الإعلاميين، وغالبيتهم لم تتفاعل مع القانون لكشف عيوبه.

المشكلة واضحة. إذ إن أولوية التطبيق تذهب للتشريعات النافذة (مطلع المادة 13 منه)، وليس لقانون ضمان حق الحصول على المعلومات، سواء سنّت التشريعات قبل القانون أو بعده.

وهناك “قوانين مجاورة” -حسب المصطلح الذي نحته الزميل يحيى شقير- تعوق تطبيق القانون، بخاصة قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم 50 لسنة 1971. وتعد “السرِّية دافعاً غريزياً لدى الحكومات”، وهي تميل دائما نحو تضخيم الأخطار حين تتحرك ضد حرية التعبير.

الآن، يرقد مشروع تعديل قانون حق الحصول على المعلومات لسنة 2012 في أدراج مجلس النواب، بعد انضمام الأردن إلى “شراكة الحكومة المنفتحة” (Open Government Partnership (OGP))، التي يعد حق الحصول على المعلومات أحد مكوناتها الأربعة.

من بين الأسباب الموجبة لمشروع القانون المعدّل، أنه يأتي “لتسهيل حق الحصول على المعلومات والسماح لغير الأردني المعني بالحصول على المعلومات تنفيذا للاتفاقيات التي تكون المملكة طرفا فيها”. كذلك، لتعزيز “تمثيل منظمات المجتمع المدني في مجلس المعلومات”، إلى جانب إرسال تقارير دورية عن إعمال حق الحصول على المعلومات إلى رئيس الوزراء ومجلسي الأعيان والنواب ونشرها علانية بعد أن كانت ترسل حصريا لرئيس الوزراء حيث تبقى طي الكتمان.

لكن التعديلات تبقى “ديكورية” طالما أن القانون لا يتضمن فرض عقوبات مالية أو تأديبية على المسؤول الذي يرفض، بلا سبب مشروع، تزويد المعلومات، ولا يشمل الشركات العامة التي تساهم الدولة في رأسمالها بأكثر من 50 %، والشركات الخاصة التي تتلقى تمويلاً حكومياً، بشكل كلي أو جزئي.

ولا بد من تعديل قانون حماية أسرار ووثائق الدولة ليتوافق مع المعايير الدولية، وإدخال أعضاء يمثلون منظمات المجتمع المدني وليس فقط ممثلين عن الجهات الرسمية، وإن شمل تعديل 2012 إضافة نقيبي المحامين والصحفيين.

بموجب المشروع المعدل، ما تزال إجراءات الحصول على المعلومات مرهقة ومعقدة. ومن المآخذ الأخرى وجوب تقديم طلب الحصول على المعلومات خطياً وليس إلكترونياً، ما يطيل جهد المستدعي/ة، بخاصة بعد تخلي الحكومات تدريجيا عن الأرشفة الورقية.

لن يتغير الكثير إلا إذا ناضل الصحفيون لكشف مثالب القانون، وتحملت مؤسساتهم كلف رفع قضايا ضد الحكومة على حجبها معلومات.

أما لحكوماتنا فنقول إن الأمم المتحدة ستراقبكم اعتبارا من هذا العام، حسب مؤشر جديد سيعتمد في ترتيب الدول حسب شفافية الحكومة في منح حق الحصول على المعلومات، ووقف خرق حرية الصحافة والتضييق على الصحفيين. هذا المحتوى نقلا عن: الغد